المادة    
وأما كيفية الانتفاع فهل تكون عن طريق التكفير أم عن طريق الموازنة، فنقول فيها: لا مانع أن يكون الأمران، وذلك أمر مرجعه إلى الله عز وجل، فإن شاء عز وجل كفر عن الميت خطاياه وما فعله بهذه الصدقة أو الإحسان أو القربى التي تقبلها من غيره حين أهداها إليه، وإن شاء الله عز وجل جعلها في ميزان حسناته، فيكون كما لو عملها هو في حياته، فربما رجح هذا وربما رجح ذاك. والمهم والخلاصة في هذا الموضوع هو: أن هذا الأصل ثابت إن شاء الله تعالى، وأنه من أعمال الخير التي يجب اغتنامها في حدود الشرع، فيجب أن يبادر الإنسان إلى أن يغتنم أي باب من أبواب الخير، ومنها هذا الباب، فينتفع هو وينفع -بإذن الله سبحانه وتعالى- بهذا العمل وليه الميت. وهذا -كما ذكرنا- لا يعني أن يتوسع الناس في هذا الباب فيأتوا بغير المشروع، أو أن يتوسعوا في هذا حتى يصبح همهم وأكثر عملهم هو الإهداء، وينسون الأفضل والأهم والأكثر نفعاً والأكثر تطبيقاً في حياة السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم، وهو الدعاء. ولعلنا -إن شاء الله- بهذا نكون قد انتهينا من هذا السبب بعد أن بينا الفرق بينه وبين الدعاء، ثم بينا الخلاف في أصل الموضوع، وبينا بعد ذلك الأدلة الخاصة والعامة والقاعدة في ذلك، ولم يبق إلا الحديث المفصل في أنواع العبادات التي ذكرنا أن الخلاف واقع فيها، كالصيام وقراءة القرآن وأكثر ما وقع الخلاف في قراءة القرآن هل يصل ثوابها أو لا يصل؟ وهذا ما نفصل الكلام عنه -إن شاء الله- في موضعه، وحسبنا هنا أن نقول: إننا لو تأملنا حال السلف الصالح فلن نجد نصاً واحداً صحيحاً يدل على أنهم قرأوا القرآن أو قرأه أحدهم وأهدى ثواب قراءته لغيره، وإنما غاية ما يعتمد عليه من يجيزون ذلك هو القياس على الصيام باعتبار أن كلاً منهما عبادة بدنيه محضة كما أشرنا، وهذا الجواب يكفي لمن يريد أن يعرف الخلاصة في هذا، لكن تفصيل أدلة الطرفين نعرض له في موضعه بإذن الله. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.